Documenting my Art life. توثيق حياتي الفنية
Art from the heart
" البحث عن الذات "
كيف يجد الفنان نفسه ؟ وما معنى ذلك ؟
و هل ذلك مهم ؟
في الواقع أن يجد الفنان نفسه، هو أن يكتشفهاه ،، أن يكتشف هويته الفنيه ،، أن يعثر عليها ،، فهي في جميع الأحوال موجوده في ذاته .
ولكن كيف ؟
لننظر الى الإنسان عندما كان طفلاً ، فهو لا يستطيع الوقوف والتحرك إراديا ،، فيتعلم شيئاً فشيئاً الوقوف ثم السير على قدميه ثم الركض ثم أنظر اليه حائزا على الميداليات الذهبية في الرياضات الحركية ،، انظر اليه يتعلم النطق والكلام ليصبح بعد المحاولات المستمرة والتعلم والمثابرة صاحب اعظم القصائد الشعرية واعظم الأعمال في مجالات الفن ، وانظر اليه بالكاد مكتشفاً لوجه أمه ثم بالتعلم تدريجياً والمثابرة يصبح مكتشفاً لما هو خارج مجموعتنا الشمسية بل وخارج مجرتنا ومبدعا في علم الفيزياء . وقس على ذلك في جميع مجالات تطور الإنسان .. التقدم والتطور والوصول لأعلى درجات الفن والعلم لا يأتي بالصدفة ولا بشكل عشوائي ،، بل يحتاج الى البناء بالشكل المنظم والمتوالي ،، يعني طوبه طوبه ،،
و بطبيعة الحال هناك " الموهوب " ،، الذي وهبه الله قدرة تميزه عن غيره ،، هذه الموهبة عادة ما تُظهر نفسها في سن مبكر ،، ولكن هذا الموهوب هو ايضا يجب أن يمر بمراحل التعلم شيئا فشيئا وخطوة خطوة ، وهو اكثر من غيره يحتاج للعون والدفع والتشجيع فهو ان لم يجد من يرى موهبته ويساعده على اظهارها ونموها فإنه قد ينتهي ويتحطم ، وتموت الموهبه قبل ظهورها .
فالفنان الموهوب مرهف الحس اكثر من غيره بكثير ،، ولذلك يصبح تحطيمه واحباطه سهلاً جدا ،، وما اكثر ما يحدث هذا في بلادنا.
وأذكر بهذه المناسبة اني حين كنت أدرس مادة الرسم في بداية حياتي العملية سنة 72 ، جاءني ولي امر أحد الطلبة الموهوبين وطلب مني الاّ اشجع ابنه ، وأن اتوقف عن تعليمه والتركيز عليه ، لأنه لا يريد أن يصبح ابنه فنانا تشكيلياً ،، بل يريده أن يصبح دكتوراً أو مهندساً أو أي شغله تأكله عيش . ولقد حزنت كثيراً حينها ، لأن طلب ولي أمر هذا الفنان الصغير هو بمثابة ربما القضاء على مستقبله ، و بالتأكيد قتل موهبته في مهدها .
كما أذكر أنه كثيرا ما اشتكي لي بعض الفنانين الناشئين عن مدى قسوة بعض الفنانين اصحاب الإسم والخبرة ومحاولات التحطيم والإحباط التي تعرضو لها من قبلهم . وهذا عيب والله ،، فالجدير بالفنان الكبير الأخذ بيد الفنان الناشئ وتشجيعه ودفعه للأمام .
وهذا الحال هو واقع على مستوى البلاد . فعدم وجود معاهد أو كليات متخصصة لتعليم الفن بشتى مجالاته هو بمثابة تحطيم لهذا الفن ودفنه في مهده أيضاً .
وهكذا الفنان ،، هو يبدأ في مرحلة من مراحل طفولته الرسم بتجاربه الأولى ، وهي اكتشاف الخط واللون والشكل العشوائي ،، وهو يستمتع بذلك الإكتشاف بدليل الإستمرار والتوسع ،، فتجده يملأ الصفحات بالخطوط والألوان ،، كل ذلك وهو لا يقلد . فهو لم يصل مرحلة التقليد بعد . ثم يبدأ في رسم البيت والشمس و أشعة الشمس والجبل . وكل الأطفال في العالم – على فكرة - يرسمون الشمس والبيت ،، .فالشمس تمثل الحياه والبيت يمثل الإستقرار ،، وهذا ما نتمناه لكل طفل في العالم وخاصة في سوريا وفلسطين .
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التقليد والنسخ فيقوم بنسخ لوحات تعجبه سواء من صور أو لوحات فنية . ويتفاوت الإتقان في التقليد من رسام لآخر ،، ثم بمرور الوقت ، يتغير الإهتمام بالرسم فهناك من يستمر ، وهناك من يهتم بأمور أخرى ويهجر الرسم .
وبهذا المثال اردت أن اقول أن الرسام ربما يصل إلى مرحلة تميز في الإتقان ،، فهو يتقن النقل من صورة أخرى أو لوحة .ولا أقصد هنا النقل من صور طبيعية أو واقعية أو فوتغرافية فحسب بل حتى من صور لأعمال حديثة من شتى مدارس الفن الحديث ، وأقول أن الرسام الذي يرى أنه توصل إلى هذا المستوى من الإتقان ، قد وصل إلى آخر مرحلة في تعلم الرسم بل وتخرج بتفوق ،،،،،
ولكنه لم يصبح فناناً بعد ! فهو ما يزال في مرحلة التعلم ..
بعد ذلك تأتي مرحلة تعلم متقدمة ،، وهي أن يجد الرسام نفسه راغباً في الإضافة او الإختزال ، ثم يصبح مقتبساً ، ثم متأثراً ، والتأثر مرحلة متقدمة عن الاقتباس ،، ولكنه ما يزال متأثراً ومنبهراً بفن الآخرين . وهو ما يزال يتعلم .
وكثيراً من الرسامين في منطقتنا يظلون في هذه المرحلة فترات طويلة جداً من حياتهم ،، فهم إما ناقلون أو مقتبسون أو متأثرون بشكل مباشر ، ويشمل ذلك شتى المدارس الفنية ، نعم هناك من هم مقلدون حتى لأعمال من الفن الحديث ، وهذا لابأس به لو أن الرسام يبين أن العمل هو لفنان آخر وانه يقوم بدراسة أعماله بدلا من أن ينسبها لنفسه ، فما هي إلا مسألة وقت حتى ينكشف الرسام ويتضح أن اللوحة ليست له وإنما لفنان آخر . وما اسهل عملية الكشف في هذه الأيام ، فما عليك إلا ان تقوم بالبحث بالصورة بدل الكلمة .
ولو أن التأثر هو بألاسلوب والمدرسه ، فلا بأس في ذلك ، ولكن المشكلة هي عندما يتأثر الفنان بأعمال بعينها ، فتصبح اعماله مماثلة جداً لعمل الفنان الذي تأثر به ، فتفقد أصالتها وتأثيرها على المتلقي ، ولا تعكس شخصيته بل هي بعيده كل البعد عنه ،، ولا تعكس البيئة التي تحيط به.
العمل الفني يجب أن يكون مؤثراً ، ومثيراً للمشاعر ، ومحفزا للفكر ، ولا يتأتى هذا بالضرورة بقوة الموضوع وانما يمكن أن يتأتى بقوة اللون والخط والإنسجام أو التضاد والعفوية المدروسة . وبذلك يكون لهذا العمل ذاكرة . ففي الواقع تكمن قوة العمل الفني في ذاكرته . فهناك أعمال فنية محفورة في ذاكرة الإنسان ، وهناك أعمال كثيرة أخرى تمر مر الكرام ،، فينساها الإنسان بعد دقائق أو ساعات من رؤيتها .
وهناك فنانون مكثرون . أي انهم كثيري الإنتاج ، وهذا ليس بالمعيب ، ولكن المشكلة هي عندما تصبح جميع الاعمال متشابهة ، فلا تستطيع أن تتذكر الفارق بين عمل وآخر ولا التمييز بينها ، وتجد أن هم الفنان هو كمية الإنتاج وليس نوعيته .
وهنا أتكلم عن الفنان الذي تخطى مرحلة الاقتباس والتقليد ، وأصبح صاحب اسلوب . فكثير من الفنانين يرون أن التماثل في العمل والتشابه هو من التميز والأصالة في الاسلوب . وهذا ليس صحيح ،، خاصة إذا كان التشابه مفتعل ، ومقصود .
إذن ليصبح الرسام فناناً ، يجب أن يتميز ، ويستقل ، ويستقر ، ويصبح له طابعه الخاص وهويته الخاصة مثل بصمة يده وملامح وجهه . أي انه يكفي ان ترى العمل الفني فتعرف من هو صاحب هذا العمل دون أن ترى التوقيع .
وهذا لا يأتي من الفراغ .
فبالإضافة للتقنية والحرفية ، و قوة الخط واللون ونظافة العمل ، هناك الوعي العام والحس بما يدور في هذا المجتمع والعالم ، والاندماج فيه والحس بجمالياته وقبحه ، كطبيعة ، و أيضاً كسلوكيات وأخلاقيات . نعم يجب على الفنان أن يعيش الحياة ويتفاعل معها بكل ما فيها من حب وكره وقسوة ، والا يتقوقع ويعيش بعيدا في برجه العاجي . فالفنان هو ضمير مجتمعه ولسان حاله ، فمن الضروري أن يكون الفنان اكثر الناس ايجابية وتفاعل مع الماديات والمعنويات التي تلامسه وتغمر فضائه .
قد يسأل البعض عن ما دخل هذا في الهوية الفنية التي نتحدث عنها ؟ وأقول ، أن تلك هي احدي لبنات بناء الفنان الحقيقي ، إذ يجب ان تتكامل فيه العناصر المكونة له .
أعزائي ،، ان الفنان بحد ذاته هو ( عمل فني ) هو بحد ذاته كيان فريد متميز
فما ينتج عن هذا الكيان الفريد يجب أن يكون فريدا أيضاً ومتميزاً .
ولكن البصمة والأسلوب الفريد الذي نبحث عنه لا يأتي بالبحث عنه ،، أي انك لا تستطيع التوصل لأسلوبك قاصداً ، لأن ذلك يجعلك مفتعل وغير أصيل .
أن الأسلوب أيها الأعزاء يأتي ،، بالحب والعشق ،،، نعم ،، أن تحب العمل الفني الذي تقوم به ،، أن تعشق لحظات الإبداع التي تعيشها اثناء الرسم ،، أن تشعر بقلبك يقول أنا هنا ،، أنا معك ،، فتشعر به يخفق بقوة على غير العادة ،، و تشعر بالسعادة الغامرة وانت تحقق المعنى الإبداعي بضربة فرشاه ،، أو سحبة سكين ،، تشعر كأنك تطير في الفضاء ،، أن تشعر أن العمل الذي أمامك هو جزء منك ، وهو ليس للبيع ، فهل يمكن أن تبيع قطعة من جسدك ؟ . ولكن ظروف الحياة تحتم بيع العمل ،، فتجدك تريد أن تعرف من هو المشتري وكيف سيتعامل مع عملك الفني ماذا سيكون مصير هذا العمل ؟ هل سيعلق ليستمتع به كل من رآه أم انه سيكون قطعة ملقاة في أحد المستودعات ؟
وأخيراً
يجب على الفنان أن يعلم ويعي أن الفن هو من أرقى أساليب البيان ، و الله ( بديع السموات والأرض ) خلق لنا الكون بكل ما فيه من حياة و جمال وإبداع قبل تنزيل الكتب السماوية . فمن الفطرة ، أن ترى الكون وتتأمله ، فتؤمن بالله . وقال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : ( الرحمن * علم القرءان * خلق الإنسان * علمه البيان * ) والبيان يمكن أن يكون لغوياً أو رسماً أو نحتاً أو أي وسيلة تعبيرية ، فإن انت بينت وعبرت عما يدور في وجدانك واحساسك بكل صدق واخلاص ( فقد وجدت ذاتك ) .
ضياء عزيز ضياء