top of page

Documenting my Art life.        توثيق حياتي الفنية

Art from the heart

Dia Aziz Dia

 في الطائف وفي قصر( شبرا ) قبل  اكثر من خمسون عاماً , وقفت بين يدي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حين إذن ، جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمة الله عليه ، استمع لكلمات  التشجيع  لي وللفن التشكيلي خاصة ، والفن والثقافة عامة ، وذلك بسبب تقديمي لسموه رحمة الله عليه  ، لوحة زيتية  متواضعة ( لوحة إلغاء الرق )  تعبر عن المرسوم الذي قضى بإلغاء الرق سنة  1382 هـ  .

   

       تلك الكلمات التي سمعتها وأنا في الخامسة عشر من عمري  من أعلى مقام في البلاد  جعلتني على يقين بأن الفنون الجميلة  ليس مجرد ترفاً ولكنها وسيلة تعبيرية مؤثرة إلى حد بعيد .

       

        فأستطيع أن أقول أيها الإخوة  أن انطلاقتي في طريق الفن كانت من هنا من مدينة الطائف ، هذه المدينة الجميلة .

 

وأقول أيضاً أنه لولا  نشأتي في بيت يعرف الفن ويقدره بل ويمارسه لكان من الصعب الاستمرار في هذا الطريق ، لأن الاتجاه التربوي والتعليمي عند عموم الأسر هو أن يتعلم الأبناء ما يؤهلهم للحصول على  وظيفة حكومية تضمن الراتب الشهري والتقاعدي ، أو أن يؤهلهم ليصبح الابن دكتوراً أو مهندساً  وإلى آخره من المهن التي تضمن لقمة العيش والمستقبل  ..  أما الفنون الجميلة فهي مغامرة خطيرة لا ضمان فيها ، بل أن المعروف تاريخياً أن غالبية من سلك طريق هذا النوع من الفنون قد مات جائعاً .

 

ولكن أعتقد أن الوالد رحمة الله عليه والوالدة  وجدوا  أن مسألة الدكتور والمهندس والموظف المحترم بالنسبة لي مسألة ميئوس منها ومستحيلة لأني منذ طفولتي كنت متجه بقوة  نحو  فن الموسيقى ثم الرسم ولا شيء آخر ، فلم يجدوا  مانعاً  من دفعي بقوة نحو هذا الطريق لأنهم لم يجدوا خياراً  آخر  .

 

وكانت فرحتي لا توصف يوم دخولي مبنى أكاديمية الفنون الجميلة بروما التي عشت فيها  أربع سنوات وكانت أجمل وأهم أربعة سنوات في حياتي .

    

وأقول أجمل أربعه سنوات لأني كنت أشعر أني محاط  بالجمال بكل أنماطه ، جمال الطبيعة ، البشر ، التراث ، والعراقة والإبداع الفني في الرسم والنحت والموسيقى والعمارة وغير ذلك ،

 

 

وأقول أهم أربعة سنوات لأن فيها تشكلت شخصيتي الفنية وأسلوبي ، ورسمت لنفسي الخط الذي أحاول حتى الآن إتباعه رغم الظروف  التي تنجح أحيانا في إخراجي عنه .

 

ولقد كانت حياتي الدراسية في روما  مثيرة  منذ الأيام الأولى  فقد تقدمت لامتحان القبول الذي استمر شهراً كاملا كنت بعد إنهائه على ثقة بأني متفوق على جميع زملائي من الطلبة الإيطاليين والأجانب ، وأقصد بالأجانب هنا الطلبة السعوديون والعرب وأيضاً الإنجليز والأمريكان وكثير من الدول المليئة بأكاديميات وكليات الفنون الجميلة ، كنت أشعر أني متفوق على الجميع وذلك بسبب ثقتي العمياء بنفسي وكذلك إعجاب الكثير من هؤلاء  الزملاء بالأعمال التي أنجزتها خلال امتحان القبول .

 

 ولكن كانت الصدمة التي لم أتوقعها أبداً رسوبي في ذلك الامتحان مع الأستاذ الذي تقدمت للدراسة معه. كانت الصدمة  قوية لدرجة أني شعرت بالضياع  الكامل ، وكدت أنهار ، ومن المفارقات  أن زوجتي ليلى بنت حمزة شحاته رحمة الله عليه ،  كانت معي في نفس الأكاديمية لدراسة الفن الذي لم يكن حلمُها وأملُها فقد كانت تريد دراسة الهندسة المعمارية ، تقدمت لنفس الامتحان مع أستاذ آخر  ونجحت كما نجح جميع المتقدمين . فشعرت بأن كل ذلك الجمال الذي أحاط بي وبهرني وأغرقني في سعادة غامرة  قد اختفى وحل محله ظلام اسود ، لأن رسوبي في الامتحان معناه  نهاية البعثة ونهاية كل أحلامي .

 

 وتعجبت من ذلك الرسوب وسألت عن السبب ولكني لم أجد جواباً سوى أني غير مقبول لدى ذلك الأستاذ ! وعندما أحاط بي بعض الزملاء تعاطفاً سمعت من قال أن ما حدث لي شيء عادي وما علي سوى تقديم أعمالي لأستاذ آخر . ورغم باب الأمل الذي ظهر بتلك الكلمات كنت ما أزال خائفاً  من تكرار الرفض . فتقدمت بالفعل لأستاذ آخر وهو البروفيسور ( موناكيزي )  أحد الفنانين المشهورين في إيطاليا وتم قبولي كأحد طلابه فعادت الحياة تجري في كياني وبدأت قصة  إعادة النظر في  هويتي الفنية ( التي لم توجد أصلا ) وبدأت رحلة البحث عن الذات .

 

ومنذ السنة الأولى وجدنا أنفسنا نعايش الحركة الطلابية التي اجتاحت إيطاليا وأوروبا التي شعرنا أنها  تهدد تلقينا للعلم الذي ابتعثنا من اجله ، فقد كان الطلبة الثائرون يحتلون الأكاديميات والجامعات  ولا يسمحون باستمرار الدراسة ، فنظل حول مبنى الأكاديمية نستمع لخطب بعض الطلبة وننتظر انتهاء الاحتلال ، وقد استمرت هذه الحالة  طوال العام الدراسي الأول .

 

 

وفي السنة الأولى أيضاً رزقت بأول مولودة لي  والتي واكبت حياتنا الدراسية وأضفت عليها كثير من البهجة وكثير من المعاناة ، فلم يكن من السهل العناية وتربية طفلة في الوقت الذي كنا أنا وأمها  في غربة  وما نزال في مرحلة التشكل والنضوج .

 

وهكذا ومع كثير من الأحداث الأخرى التي لا يتسع الوقت لذكرها  بدأت حياتي الدراسية. ولكن حقيقة رسوبي في امتحان القبول و رفض ذلك الأستاذ لي لم تفارق تفكيري وظلت تؤرقني لسنين .  إذ لم يفارق ذهني السؤال الذي لم اجد له جواب من ذلك الأستاذ أو من غيره وهو لماذا لم يقبلني طالباً  لديه ولماذا لم ترقى أعمالي في نظره إلى المستوى المطلوب ؟

         

ورغم أن أثر ذلك على نفسي كان فقدان  الثقة بمقدراتي الفنية إلا أني لم أحبط  بل على العكس ، لقد عقدت العزم على أن اعرف السبب وعلى أن أرقى إلى المستوى بل وأتفوق وأتميز.

ومرت الشهور والسنين ، واندمجنا في الحياة الدراسية والفنية في روما ، وبدأت أشارك في المعارض  والمسابقات ، وبدأت أشعر بالثقة تعود شيئا فشيئا عندما بدأت أحصد الجوائز والشهادات . وأخذت شخصيتي تتبلور وأسلوبي  يتميز .

         

ولكن كيف .. ؟  كيف  تمت عملية التبلور والتميز  واكتساب الأسلوب الخاص ؟

 

أعتقد أن الجواب على ذلك هو في  عدة عوامل :

         

        الممارسة  التي لا تنقطع ، والمشاركة في المعارض والمسابقات ، وملاحظة رد فعل

        المتلقي .

         

        الجو العام ، وأقصد الحياة في وسط فني وبلد تحس  فيه  بالفن والجمال في  الوجهات

        الستة . نعم ستة  ،، فقد أضفت فوق وتحت .

       

        الاحتكاك بمختلف  اتجاهات الفن والفنانين والتنافس معهم ، والدخول في المناقشات  

        الفلسفية  عن الفن والجمال والتطور الفني  وغير ذلك من الأمور ذات العلاقة بالفن  

        والحياة  عموماً.

       

        الإحساس بالحرية .     

       

        ممارسة الحرية . والاستمتاع بتلك الممارسة .

       

      المكتسبات الثقافية .

 

       حب التميز والتفوق المستمر . بل وحب التميز في كل عمل فني يقوم به الفنان ،  ومعاناة وضغط الإحساس بعدم تحقيق  ذلك التميز .

 

       والأسلوب الخاص هو مسألة تأتي بمرور الوقت طالما توفرت العوامل  المذكورة  آنفا مضافاً  إليها بطبيعة الحال  الموهبة .

 

وفي رأي أن العمل الفني يجب أن تتوفر فيه  العوامل الآتية :

 

1-      الموهبة  : وهي تلك الهبة التي مَنّ الله بها على عبده فإذا به  مبدع  في مجاله  ، ولا تطلق كلمة الإبداع والعبقرية على مجال الفنون فحسب وإنما على شتى المجالات التي تتجلى فيها ملكات الإنسان الإنتاجية .  وهبة الله سبحانه وتعالى تكشف عن نفسها فتظهر بشكل أو آخر ثم لا تموت ، فيموت الفنان أو العالم وتنتهي حياته ولكن تبقى عبقريته وموهبته حية  تتجلى في أعماله عبر الزمن لأنها  هبه من الله سبحانه وتعالى .

         

2-      التواصل :  أي أن العمل الفني - وأتحدث بالذات عن اللوحة - يجب أن تتواصل مع المتلقي فتثير فيه مشاعر وأحاسيس  جاشت في نفس الفنان الذي رسم اللوحة ، فتحْمِل المتلقي على ردة  فعل عاطفية ، تماماً  مثل تلك التي تحدث عندما  يستمع الإنسان إلى قطعة موسيقية  مثيرة للمشاعر أو عندما  يعي الإنسان معان بيت من أبيات شعر مؤثر . أو عندما  يرى  إبداع الخالق في الطبيعة الخلابة أو يشم عبق زهرة جميلة . أو عندما  يرى أو يعيش موقفا  مثيراً  للمشاعر وما أكثر هذه المواقف في حياة الإنسان .  فاللوحة  هنا  لا تحتاج  لمساعدة  مكتوبة  أو مسموعة أو أي شكل من أشكال  التوضيح .

 

3-      المهارة  : أي أن العمل الفني يجب أن تتوفر فيه المهارة المكتسبة بسنين من الممارسة والدراسة والخبرة ، ليصبح الفنان قادر على ترجمة  ما يجول في خلده وخياله إلى مرئيات بشكل مرض  ومقنع له أولا ،  ليصبح  مقنعاً  للمتلقي .  لأن  المهارة والحرفية هي بمثابة الآلات الموسيقية في أوركسترا ، كلما زادت خبرة الفنان زاد عدد الآلات التي تصبح في متناول يده  وتنوعت  ، فالإتقان يحتاج إلى سنوات من التدريب والخبرة ، و به  يمكن إخراج عمل ذو قيمة فنية . 

ولا ننسى أن سنوات الخبره تكسب الفنان المرونه والعفويه المدروسه التي يستطيع بها التحكم في اخراج العمل باسلوبه المميز.

 

4-      الزمن  :  وهو الاختبار الحقيقي لأي عمل فني ، فالفن الحقيقي  يزيده الزمن جمالا وتزيده السنين فناً ، فلا يقال عنه قديماً  بمعنى أنه فقد قيمته الفنية بل عتيقاً  بمعنى أنه أصبح أكثر جمالا ، فمثلا آلة العود الجيد تزداد جودته بالزمن.  والألحان  والكلمات  العبقرية التي تميز بها كبار الشعراء ومتاحف العالم الهامة في باريس ولندن وروما ومدريد وسانتبيترزبرج وغيرها  تعج يومياً بألوف الزوار المتلهفين على تأمل أعمال كبار الفنانين التي  لا تمل رؤيتها بمرور الزمن بل على العكس هي أعمال كلما رأيتها  تشوقت لها بعد  زمن .

 

5-      الذاكرة :  وهو  ما يٌظهر قوة العمل  وتميّزه  ، فهناك أعمال فنية  سواء  لوحات زيتية أو منحوتات أو أعمال هندسية  أو موسيقية  أو أدبية  ، عندما  يراها  الإنسان أو يسمعها  تبقى

عالقة في ذاكرته  ، ولا ينساها أبداً  .  أما العمل  العادي فمن الممكن أن ينساه المتلقي بعد إزاحة النظر عنه مباشرة .

 

فإذا فقد العمل أحد هذه الشروط الخمس يفقد صفة الإبداع .

 

وأريد أن أقول أن الفنان يحاول جاهداً أن يكون كل عمل ينجزه فن وإبداع  ،، ولكن أعتقد أن ذلك صعب ، فأعمال الفنان تتفاوت في إبداعها فتجد أن بعض أعماله تتميز عن البعض الآخر ، كما تجد أن بعض الأعمال قد  تفوق الفنان فيها على نفسه .

 

أما مسألة  ذلك الأستاذ وعدم قبوله لي فقد  انتهت بمرور الوقت  ولم أعد أفكر فيها  ، فقد أصبحت أمراً ماضياً  لا اثر له على حياتي ونشاطي . والآن وبعد مرور أكثرمن  أربعون عاما  أعتقد أن ذلك الأستاذ قد فعل خيراً برفضه لي  ، واعتقد أني كنت أحتاج لتلك الصدمة  ، لقد كانت تلك الصدمة بمثابة ما يسمى بال (  Resetting )  أي إعادة التشغيل والبرمجة ، فما أبشع وأخطر أن يكون الإنسان مغروراً .

 

          بعد أربع سنوات في روما  مليئة  بكل ما يمكن أن يحدث في حياة عائلة صغيرة تعيش حياة الفن بكل ما فيها من إثارة ، وبعد التخرج  جاء يوم العودة  إلى ارض الوطن ، ولقد كان حماسي للعودة لا يوصف ، وفرحتي لا مثيل لها  ، لأني كنت أحمل معي أحلام الشاب المليء بالحيوية  والآمال والمخططات ، كنت أشعر أني شعلة متقدة لا يمكن إطفاؤها  .  فها أنا ذا الفنان الشاب الذي حصد الجوائز الأولى  وعرض في اكبر المعارض بروما   وكتبت عنه بعض الصحف الإيطالية  ها أنا ذا  قادم  إلى أرض الوطن لأملأ هذا الوطن بالفن والإبداع  .

 

أتريدون معرفة   ماذا حدث  لهذه الشعلة ؟

 

          لقد ظللت سنينا طويلة  أحاول جاهداً  مقاومة  انطفائها  .. نعم 

لقد اختلف كل شيء  ..    

 

ولا أريد الدخول في تفاصيل  الأسباب فهي طويلة  وتصيب السامع بالاكتئاب ،

ولكن من نعم الله علينا أن جعلنا قادرين على التأقلم . 

 

ومر الزمن  وتوالت  ألأحداث التي تمر على كل إنسان ، وكنت دائما أحاول التوفيق بين العمل الروتيني الذي به أكسب قوت يومي وأضمن تأمين حياة عائلتي  وبين ممارسة الفن ، ولقد نجحت في كثير من الأحيان ،   لكني لم أشعر بأني أمارس الفن بحق ولم أشعر بكياني  الذي طالما تمنيت أن أكونه إلا بعد أن من الله علي بإنسان  مقدر للفن  استطاع  أن يجد الحل لأزمتي وأزمة كل فنان وهو أن  يفرغني بشكل كامل لتحقيق آمالي كفنان . هذا الإنسان هو صديقي الفنان سمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود . وحقيقة أني مهما صنعت سوف لن أوفيه حقه  فشكراً له من كل قلبي .

 

وأخيراً أريد أن أقول أن تحقيق الأحلام أمراً  ليس بالسهل ، وهذا شيء معروف ،، ولكن المهم

أن تظل الشعلة متقدة ولو قليلا ،  وأن يظل الإنسان  برغم  كل الظروف الصعبة يظل هذا الإنسان قادرا على أن يحلم .

 

 

ضياء عزيز ضاء  saudi art dia aziz dia

bottom of page